حادثة النرجس- إهمال نفسي واجتماعي؟ دعوة لمراجعة دور التعليم.

المؤلف: عبداللطيف الضويحي11.23.2025
حادثة النرجس- إهمال نفسي واجتماعي؟ دعوة لمراجعة دور التعليم.

إن فاجعة الطالبة النرجس، والطريقة التي عولجت بها قضيتها، والنهاية المحزنة التي آلت إليها هذه المأساة، تثير العديد من التساؤلات الجوهرية حول الدور النفسي والاجتماعي، وحتى الإعلامي، للمؤسسة التعليمية الرسمية، وتلقي بظلالها على مسؤوليات جسيمة.

ربما تكون وزارة التعليم من بين أكثر الوزارات اتساعًا من حيث حجم جمهورها الداخلي والخارجي. إذ يُقدر عدد الجمهور الداخلي للوزارة بالملايين، حيث يضم الطلاب والطالبات بأعداد هائلة، والمعلمون والمعلمات بعشرات الآلاف، والموظفون والموظفات بالآلاف، بالإضافة إلى ملايين آخرين من الجمهور الخارجي المباشر وغير المباشر. ومع ذلك، لم يصدر عن الوزارة أي بيان صحفي رسمي، أو مؤتمر صحفي شامل، أو حتى تصريح من أحد المسؤولين –حسب علمي حتى الآن– يوضح ويكشف لنا، ولهذا الجمهور الواسع، ملابسات الحادثة المؤسفة، ويضعها في سياقها الواقعي الصحيح، حتى لا تتحول إلى مادة دسمة للتجاذبات والاجتهادات غير المسؤولة، والمبالغات التي لا طائل منها، والمزايدات في وسائل الإعلام الاجتماعي المختلفة.

ما الجدوى من وجود إعلام مؤسسي إذا لم يضطلع بدوره الفعال في الوقت المناسب، وفي الأحداث المفصلية المؤثرة؟ أين كان دور الإعلام المؤسسي لوزارة التعليم، والدور الإعلامي التوضيحي للوزارة ككل، في قضية الطالبة النرجس؟ هل بات الإعلام المؤسسي أسيرًا لمنصات التواصل الاجتماعي، دون أدنى اعتبار لطبيعة الحدث الجلل، والرسالة المراد إيصالها، والمحتوى القيم، وبصرف النظر عن حجم ونوع الجمهور الداخلي والخارجي الذي يترقبه؟

هل نحن اليوم أمام أزمة جديدة لمفهوم الإعلام المؤسسي، في ظل الهيمنة الطاغية لإعلام التواصل الاجتماعي، وغياب المصدر الموثوق، أو تهميش المرجع الصادق؟ هل سيؤول مصير الإعلام المؤسسي –الاتصال المؤسسي– إلى الزوال، كما انتهت الصحف الورقية لنفس الأسباب والعوامل؟ ألم يحن الوقت لإجراء مراجعة شاملة لمفهوم الإعلام المؤسسي وممارساته المتبعة؟

للأسف الشديد، جميع المعلومات المتداولة عن قصة الطالبة النرجس غير موثقة، ولا يمكن الاعتماد عليها أو التسليم بها كحقائق مسلم بها؛ لأنها تستقى من مصادر غير معروفة، أو غير مخولة بالتصريح، على الرغم من أن رواية مؤثرة واحدة، وردت على لسان إحدى معلمات الطالبة، قد شدت انتباهي، حيث يظهر من حديثها مدى تأثرها العميق، ويتجلى نبل هدفها، وسلامة غايتها ومقصدها النبيل.

إن قصة «وتين» هي بحق مأساة دامية تؤلم ضمائرنا جميعًا، فنحن جمعيًا نتحمل مسؤولية إزهاق روح «وتين» البريئة، ولا يسعني إلا أن أتقدم بخالص التعازي والمواساة القلبية إلى أسرة «وتين» المكلومة، وإلى زميلاتها الصغيرات، وإلى الطاقم التربوي والإداري في مدرستها، وأدعو الله عز وجل لها بالرحمة والمغفرة، وألا يرينا مكروهًا في بناتنا وأبنائنا، الذين هم بأمس الحاجة إلى من يقف بجانبهم ويدعمهم نفسيًا واجتماعيًا، في البيت والمدرسة، وأينما حلوا وارتحلوا.

لقد هزت قصة «وتين» الرأي العام بأكمله، الذي تابع ولا يزال يتابع تفاصيل القصة المأساوية، ولكن قصة «وتين» يجب أن تكون درسًا بليغًا للأطراف المعنية كافة. ربما كان بوسع المدرسة والمؤسسة التعليمية برمّتها أن تنقذ حياة «وتين» –بإرادة الله وقدرته– لو تم تزويد مدرسة «وتين» بعدد كافٍ من الأخصائيات النفسيات والاجتماعيات المؤهلات.

أتمنى صادقًا أن تعيد وزارة التعليم النظر في مستهدفاتها وخططها المرسومة، بما يخدم شمول الهدف التربوي التعليمي النفسي والاجتماعي المتكامل. فعلى عاتق وزارة التعليم تقع مسؤولية التأسيس لثقافة الأخصائي النفسي والأخصائية النفسية والاجتماعي والاجتماعية، ونشر الوعي بأهمية دورهم في المجتمع؛ فثقافة مجتمعنا للأسف ليست صديقة للأخصائي النفسي والأخصائية النفسية والاجتماعي والاجتماعية، ولا تزال هناك فجوة واسعة تفصل بين المجتمع وهذه التخصصات الحيوية.

أنا لست محققًا بالطبع، ولا أملك الصلاحية اللازمة للتحقيق، ولكنني أتساءل بجدية: هل يوجد في مدرسة النرجس أخصائيات نفس واجتماع يحملن شهادات تخصصية في مجالاتهن الدقيقة، أم أن هذه الوظيفة تسند إلى أي تخصص آخر؟ ثم ما هو العدد الفعلي لأخصائيات النفس والاجتماع في هذه المدرسة؟ وكم هو العدد المثالي الذي يتناسب مع عدد الطالبات الكبير؟ هل تستطيع الإخصائية النفسية الواحدة أو الاجتماعية الواحدة أن تتعامل بفاعلية مع مئات الطالبات، وتتعرف على مشكلاتهن النفسية والاجتماعية المتنوعة، خاصةً من هن في سن المراهقة الحرجة، من خلال التشخيص الدقيق، والمعالجة الفعالة، ووضع حلول ناجعة للتوترات والقلق والانسحاب النفسي، والعزلة الاجتماعية، والاكتئاب الحاد، والتشتت الذهني، وعدم التركيز، والاغتراب النفسي، في مدرسة مكتظة بعشرات الحالات النفسية بين الطالبات، خاصة في هذا العصر الذي يشهد سقوط الحواجز بين المكان والزمان؟

هناك وفرة كبيرة في أعداد الخريجين والخريجات المؤهلين في هذه التخصصات الهامة، فلماذا لا تسهم وزارة التعليم بفاعلية في استقطاب أصحاب هذه التخصصات المتاحة، وتمكينهم من القيام بدورهم الطبيعي والحيوي في المدارس بمختلف المراحل التعليمية، بحيث لا يقتصر الأمر على انتظار الطالب أو الطالبة ليراجع هذا الإخصائي أو الإخصائية، وإنما من خلال وضع برنامج شامل ومتكامل لتشخيص جميع الطلبة والطالبات نفسيًا واجتماعيًا بشكل دوري ومنتظم.

مع كل التقدير والاعتزاز بجهود وزارة التعليم الدؤوبة وعملها المتواصل، إلا أن هناك أهدافًا أخرى لا تقل أهمية عن الهدف التعليمي الأسمى، ولا يكتمل هذا الهدف التعليمي المنشود دون تحقيق بقية الأهداف الأخرى. فهذه الأجيال الصاعدة بأمس الحاجة إلى دور تربوي قويم، وصحي سليم، وغذائي متوازن، ونفسي مستقر، واجتماعي متكافل، ورياضي مفعم بالحيوية، وثقافي قيّم، وهذا ربما يتطلب مراجعة شاملة لأهداف وزارة التعليم، وتشخيص دقيق لكل العلل الكامنة في هذه المؤسسة الحيوية، التي تلامس حياة كل فرد، وكل أسرة، وكل مؤسسة في هذا المجتمع.

أخيرًا، أتوجه بسؤالي إلى معالي وزير التعليم الموقر، وإلى جهاز الوزارة التربوي والتعليمي بأكمله: أليس بمقدور الوزارة أن تصنع جيلًا واعدًا، مستقرًا نفسيًا واجتماعيًا وغذائيًا وصحيًا بدنيًا وذهنيًا، ومتمسكًا بهويته وثقافته الأصيلة، جنبًا إلى جنب مع الهدف التعليمي الكبير، الذي يشتمل على كل المعارف والمهارات الهامة التي يتعلمها الطلاب اليوم وغدًا في مختلف مراحل التعليم، والإسهام الفعال في خفض معدلات البطالة بين شريحة مهمة من شرائح المجتمع، وهم المتخصصون المتفوقون في علم النفس وعلم الاجتماع؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة